
أعتقد أن محاولة البعض إشاعة الفوضى في المجتمع عبر خطاباتهم التفريقية وسلوكياتهم الأنانية وعن طريق تصرفاتهم المغالية بذريعة ممارسة حرية الرأي والتعبير يتنافى مع المنطق والعقلانية والحس السليم, بل ويتعارض هذا النهج الشخصاني والفوضوي مع الحرية النمطية والتي من المفترض أن تحدها دائماً حريات الناس الآخرين وكراماتهم الإنسانية. فمن يبدو يطالب بحرية رأي وتعبير لا محدودة بزعم أنها متطلب رئيس في الممارسة الديمقراطية المعاصرة يحاول قسراً تكييف حرية الرأي والتعبير وفق متطلباته الشخصية ووفق أجنداته الفكرية. فلا يمكن في أي حال من الأحوال إشاعة الفوضى في المجتمع بذريعة الحرية, فهذه الأخيرة رهينة بما يقبله عامة الناس, وما تسمح به النظم والقوانين في مجتمع مدني وديمقراطي.
إضافة إلى ذلك, تصعب عقلنة الفرضية المفبركة بأن حرية الرأي والتعبير في المجتمع الكويتي غير متوفرة بشكل مناسب فقط لأن فلاناً من الناس أو مجموعة من الأفراد يحاولون تجيير الحرية الديمقراطية بهدف تحقيق مصالحهم الفكرية والسياسية! فحرية الرأي والتعبير في أي مجتمع ديمقراطي معاصر من المفروض أن تحددها قوانين معينة تهدف بشكل أو بآخر للحفاظ على حريات الناس وحماية كراماتهم الإنسانية, وتحمي سمعتهم من الهجمات الشخصانية والاتهامات المفبركة, فالبديل لهذه المعادلة الديمقراطية المعاصرة حول حرية الرأي والتعبير هو شيوع الفوضى وانتشار أساليب وتصرفات الغوغائية, حيث سيتمكن أي من كان التهجم والاعتداء اللفظي على أي من كان, وفي الوقت نفسه لا يبدو انه يرغب هؤلاء المهووسون بحرياتهم المُبالغ فيها أن يردعهم قانون. ولا يبدو انهم يعترفون بأحقية الآخرين في حماية كراماتهم ضدهم !
ومن يقبل عن قناعة بمشاركته مع مواطنيه الآخرين بعدد من المسؤوليات والواجبات الاجتماعية المحددة, دستورياً وقانونياً, من المفترض أن يحترم كراماتهم ويسمح لهم بعيش حياة إنسانية بناءة وآمنة, ولكن ما سيضمن حماية الخصوصية الشخصية لكل الناس هو التزام أغلبية أعضاء المجتمع بممارسة حرية رأي وتعبير لا تتجاوز ما هو مقبول عرفاً وقانوناً حول حرية الرأي والتعبير. فمن يُخِلُّ بمسؤولياته الاجتماعية تجاه مواطنيه الآخرين الذين يتساوون معه في الحقوق وفي الواجبات لا يرغب في تكريس حرية رأي وتعبير منطقية وعقلانية وديمقراطية, بل يبدو ان بعض هؤلاء ممن يطالبون بحرية لا محدودة يريدون العيش في مكان فوضوي تكون فيه الغلبة للأكثر صراخاً, وللأعلى صوتاً, وللأكثر قدرة على السطوة على مصائر الناس! والله المستعان.
*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق